﴿طه﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
رسالة موسى عليه السلام لفرعون
سورة طه
سورة طه
﴿طه﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
ما أنزلنا عليك - أيها الرسول - القرآن ليكون سببًا في إرهاق نفسك أسفًا على إعراض قومك عن الإيمان بك.
ما أنزلناه إلا ليكون تذكيرًا لمن وفقهم الله لخشيته.
وخوِّف - أيها الرسول - بهذا القرآن الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يوم القيامة، ليس لهم ولي غير الله يجلب لهم النفع، ولا شفيع يكشف عنهم الضر، لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نزّله الله الذي خلق الأرض، وخلق السماوات المرتفعة، فهو قرآن عظيم، لأنه منزل من عند عظيم.
الرحمن علا وارتفع على العرش علوًّا يليق بجلاله سبحانه وتعالى.
له سبحانه وحده ما في السماوات وما في الأرض وما تحت التراب من مخلوقات، خلقًا وملكًا وتدبيرًا.
وإن تعلن - أيها الرسول - القول، أو تخفه فإنه سبحانه يعلم ذلك كله، فهو يعلم السر وما هو أخفى من السر مثل خواطر النفس، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
الله لا معبود بحق غيره، له وحده الأسماء البالغة الكمال في الحسن.
ولما كان النبي ﷺ يعاني من قومه الإعراض، جاءت تسليته بقصة موسى عليه السلام، فقال سبحانه: ولقد جاءك - أيها الرسول - خبر موسى بن عمران عليه السلام.
حين عاين في سفره نارًا، فقال لأهله: أقيموا في مكانكم هذا، إني أبصرت نارًا لعلي آتيكم من هذه النار بشعلة، أو أجد من يهديني إلى الطريق.
فلما جاء النار ناداه الله سبحانه بقوله: يا موسى.
إني أنا ربك فانزع نعليك استعدادًا لمناجاتي، إنك بالوادي المُطَهَّر (طُوى).
وخوِّف - أيها الرسول - بهذا القرآن الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يوم القيامة، ليس لهم ولي غير الله يجلب لهم النفع، ولا شفيع يكشف عنهم الضر، لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب وأنا اصطفيتك - يا موسى - لتبليغ رسالتي، فاستمع لما أوحيه إليك.
وخوِّف - أيها الرسول - بهذا القرآن الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يوم القيامة، ليس لهم ولي غير الله يجلب لهم النفع، ولا شفيع يكشف عنهم الضر، لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب إنني أنا الله لا معبود بحق غيري، فاعبدني وحدي، وأدّ الصلاة على أكمل وجه لتذكُرني فيها.
إن الساعة آتية لا محالة وواقعة، أكاد أخفيها فلا يعلم وقتها مخلوق، ولكن يعرفون علاماتها بإخبار النبي لهم، لكي تُجازى كل نفس بما عملته، خيرًا كان أو شرًّا.
فلا يصرفنّك عن التصديق بها والاستعداد لها بالعمل الصالح من لا يؤمن بها من الكفار، واتبع ما تهواه نفسه من المحرمات، فتهلك بسبب ذلك.
وما تلك التي بيدك اليمنى يا موسى؟
قال موسى عليه السلام: هي عصاي، أعتمد عليها في المشي، وأخبط بها الشجر ليسقط ورقها لغنمي، ولي فيها منافع غير ما ذكرت.
قال الله: ألقها يا موسى.
فألقاها موسى، فانقلبت حية تمشي بسرعة وخفّة.
قال الله لموسى عليه السلام: خذ العصا، ولا تخف من انقلابها حية، سنعيدها إذا أخذتها إلى حالتها الأولى.
واضمم يدك إلى جنبك تخرج بيضاء من غير برص، علامة ثانية لك.
أريناك هاتين العلامتين لنريك - يا موسى - من آياتنا العظمى الدالة على قدرتنا، وعلى أنك رسول من عند الله.
سر - يا موسى - إلى فرعون، فإنه تجاوز الحد في الكفر والتمرّد على الله.
قال موسى عليه السلام: رب، وسّع لي صدري لأتحمّل الأذى.
وسهّل لي أمري.
وأقدرني على النطق بالفصيح من الكلام.
ليفهموا كلامي إذا بلّغتهم رسالتك.
واجعل لي معينًا من أهلي يعينني في أموري.
هارون بن عمران أخي.
قوِّ به ظهري.
واجعله شريكًا لي في الرسالة.
لكي نسبّحك تسبيحًا كثيرًا.
ونذكرك ذكرًا كثيرًا.
إنك كنت بنا بصيرًا، لا يخفى عليك شيء من أمرنا.
قال الله: قد أعطيناك ما طلبت يا موسى.
ولقد أنعمنا عليك مرة أخرى.
إذ ألهمنا أمك ما ألهمناها مما حفظك الله به من مكر فرعون.
فقد أمرناها حين ألهمناها: أن ارميه بعد ولادته في الصندوق، واطرحي الصندوق في البحر، فسيطرحه البحر بالشاطئ بأمر منّا، فيأخذه عدو لي وله، وهو فرعون، ووضعت عليك محبّة منّي، فأحبّك الناس، ولتتربّى على عيني وفي حفظي ورعايتي.
إذ خرجت أختك تسير كلما سار التابوت تتابعه، فقالت لمن أخذوه: هل أُرْشِدكم إلى من يحفظه ويرضعه ويربيه؟ فمننّا عليك بإرجاعك إلى أمّك لتسرّ برجوعك إليها، ولا تحزن من أجلك، وقتلت القِبْطِي الذي وكَزْتَه، فمننّا عليك بإنجائك من العقوبة، وخلصناك مرة بعد مرة من كل امتحان تعرّضت له، فخرجت ومكثت أعوامًا في أهل مَدْين، ثم أتيت في الوقت الذي قُدِّر لك أن تأتي فيه لتكليمك يا موسى.
واخترتك لتكون رسولًا عنّي تبلّغ الناس ما أوحيت به إليك.
اذهب أنت - يا موسى - وأخوك هارون، بآياتنا الدالة على قدرة الله ووحدانيته، ولا تضعفا عن الدعوة إليّ، وعن ذكري.
اذهبا إلى فرعون، فإنه تجاوز الحد في الكفر والتمرّد على الله.
فقولا له قولًا لطيفًا لا عنف فيه، رجاء أن يتذكر، ويخاف الله فيتوب.
قال موسى وهارون عليهما السلام: إننا نخاف أن يعجّل بالعقوبة قبل إتمام دعوته، أو أن يتجاوز الحد في ظلمنا بالقتل أو غيره.
قال الله لهما: لا تخافا، إنني معكما بالنصر والتأييد، أسمع وأرى ما يحدث بينكما وبينه.
فأْتياه، فقولا له: إنا رسولا ربك - يا فرعون - فابعث معنا بني إسرائيل، ولا تعذبهم بقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم، قد أتيناك ببرهان من ربك على صدقنا، والأمان من عذاب الله لمن آمن، واتبع هدى الله.
إنا قد أوحى الله إلينا أن العذاب في الدنيا والآخرة على من كذَّب بآيات الله، وأعرض عما جاءت به الرسل.
قال فرعون منكرًا لما جاءا به: فمن ربكما الذي زعمتما أنه أرسلكما إليّ يا موسى؟
قال موسى: ربنا هو الذي أعطى كل شيء صورته وشكله المناسب له، ثم هدى المخلوقات لما خلقها له.
قال فرعون: فما شأن الأمم السابقة التي كانت على الكفر؟
قال موسى عليه السلام لفرعون: عِلْمُ ما كانت عليه تلك الأمم عند ربي، مثبت في اللوح المحفوظ، لا يخطئ ربي في علمها، ولا ينسى ما علمه منها.
عند ربي الذي صيَّر لكم الأرض مُمَهَّدة للعيش عليها، وجعل لكم فيها طرقًا صالحة للسير عليها، وأنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء أصنافًا من النباتات مختلفة.
كلوا - أيها الناس - مما أخرجنا لكم من الطيبات، وارعوا أنعامكم، إن في ذلك المذكور من النعم لدلائل على قدرة الله ووحدانيته لأصحاب العقول.
من تراب الأرض خلقنا أباكم آدم عليه السلام، وفيها نرجعكم بالدفن إذا مُتُّم، ومنها نخرجكم مرة أخرى للبعث يوم القيامة.
ولقد أظهرنا لفرعون آياتنا التسع كلها، وشاهدها فكذّب بها، وامتنع أن يستجيب إلى الإيمان بالله.
قال فرعون: أجئتنا لتخرجنا من مصر بما جئت به من السحر - يا موسى - ليبقى لك ملكها؟
فلنأتينّك - يا موسى - بسحر مثل سحرك، فاجعل بيننا وبينك موعدًا في زمان معلوم ومكان محدد، لا نتخلّف نحن ولا تتخلف أنت عنه، وليكن المكان وسطًا بين الفريقين معتدلًا.
قال موسى عليه السلام لفرعون: الموعد بيننا وبينكم يوم العيد حيث يجتمع الناس محتفلين بعيدهم ضحى.
فأدبر فرعون منصرفًا، وجمع مَكْرَهُ وحِيَلَه، ثم جاء في الزمان والمكان المحددين للمُغالبة.
قال موسى يعظ سحرة فرعون: احذروا، لا تختلقوا على الله كذبًا بما تخدعون به الناس من السحر فيستأصلكم بعذاب من عنده، وقد خسر من اختلق على الله الكذب.
فتناظر السحرة لما سمعوا كلام موسى عليه السلام، وتناجوا بينهم سرًّا.
قال بعض السحرة لبعضهم سرًّا: إن موسى وهارون ساحران، يريدان أن يخرجاكم من مصر بسحرهما الذي جاءا به، ويذهبا بسُنَّتكم العليا في الحياة، ومذهبكم الأرقى.
فأحكموا أمركم، ولا تختلفوا فيه، ثم تقدموا مُصْطَفِّين، وارموا ما عندكم دفعة واحدة، وقد ظفر بالمطلوب اليوم من غلب خصمه.
قال السحرة لموسى عليه السلام: يا موسى، اختر أحد أمرين: أن تكون البادئ بإلقاء ما لديك من سحر، أو نكون نحن البادئين بذلك.
قال موسى عليه السلام: بل اطرحوا أنتم ما لديكم أوّلًا، فطرحوا ما عندهم، فإذا حبالهم وعصيّهم التي طرحوها يُخَيّل إلى موسى من سحرهم أنها ثعابين تتحرك بسرعة.
فأسرّ موسى في نفسه الخوف مما صنعوا.
قال الله لموسى عليه السلام مطمئنًا إياه: لا تخف مما خُيِّل إليك، إنك - يا موسى - أنت المُسْتَعْلِي عليهم بالغلبة والنصر.
واطرح العصا التي بيدك اليمنى تنقلب حية تبتلع ما صنعوه من السحر، فما صنعوه ليس إلا كيدًا سحريًّا، ولا يظفر الساحر بمطلوب أين كان.
فطرح موسى عصاه فانقلبت حية، وابتلعت ما صنعه السحرة، فسجد السحرة لله لما علموا أن ما عند موسى ليس سحرًا، إنما هو من عند الله، قالوا: آمنا برب موسى وهارون، رب جميع المخلوقات.
قال فرعون منكِرًا على السحرة إيمانهم ومتوعّدًا: هل آمنتم بموسى قبل أن آذن لكم بذلك؟! إن موسى لهو رئيسكم - أيها السحرة - الذي علّمكم السحر، فلأقطّعنّ من كل واحد منكم رِجْلًا ويدًا مخالفًا بين جهتيهما، ولأصلّبنّ أبدانكم على جذوع النخل حتى تموتوا، وتكونوا عبرة لغيركم، ولتعلمنّ عند ذلك أينا أقوى عذابًا، وأدوم: أنا أو رب موسى؟!
قال السحرة لفرعون: لن نفضّل اتّباعك - يا فرعون - على اتّباع ما جاءنا من الآيات الواضحات، ولن نفضّلك على الله الذي خلقنا، فاصنع ما أنت صانع بنا، ما لك سلطان علينا إلا في هذه الحياة الفانية، وسيزول سلطانك.
إنا آمنّا بربنا رجاء أن يمحو عنّا معاصينا السالفة من الكفر وغيره، ويمحو عنا ذنب السحر الذي أجبرتنا على تعلّمه وممارسته ومغالبة موسى به، والله خير جزاءً مما وعدتنا به، وأدْوَم عذابًا مما توعّدتنا به من العذاب.
إن الشأن والحاصل أن من يأتي ربه يوم القيامة كافرًا به أن له نار جهنم يدخلها ماكثًا فيها أبدًا، لا يموت فيها فيستريح من عذابها، ولا يحيا حياة طيبة.
ومن يأت ربه يوم القيامة مؤمنًا به قد عمل الأعمال الصالحات فأولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة لهم المنازل الرفيعة، والدرجات العليّة.
تلك الدرجات هي جنات إقامة تجري الأنهار من تحت قصورها ماكثين فيها أبدًا، وذلك الجزاء المذكور جزاء كل من تطهّر من الكفر والمعاصي.