سورة الأنبياء
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لعبًا وعبثًا، بل خلقناهما للدلالة على قدرتنا.
لو أردنا اتخاذ صاحبة أو ولد لاتخذناه مما عندنا، وما كنا فاعلين ذلك لتنزهنا عنه.
بل نرمي بالحق الذي نوحيه به إلى رسولنا على باطل أهل الكفر فَيَدْحَضُه، فإذا باطلهم ذاهب زائل، ولكم - أيها القائلون باتخاذه صاحبة وولدًا - الهلاك لوصفكم له بما لا يليق به.
ولما كان اتخاذ الصاحبة والولد منبئًا عن الافتقار، بيّن سبحانه وتعالى أنه مالك هذا الكون، فقال: وله سبحانه وحده ملك السماوات وملك الأرض، ومن عنده من الملائكة لا يتكبّرون عن عبادته، ولا يتعبون منها.
يواظبون على تسبيح الله دائمًا، لا يملّون منه.
بل اتخذ المشركون آلهة من دون الله، لا يحيون الموتى، فكيف يعبدون عاجزًا عن ذلك؟!
لو كان في السماوات والأرض معبودات متعددة لفسدتا بتنازع المعبودات في المُلْك، والواقع خلاف ذلك، فَتَنزَّه الله رب العرش عما يصفه به المشركون كذبًا من أن له شركاء.
والله هو المتفرد في ملكه وقضائه، لا يسأله أحد عما قدَّره وقضى به، وهو يسأل عباده عن أعمالهم، ويجازيهم عليها.
بل اتخذوا من دون الله معبودات، قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هاتوا حجتكم على استحقاقها للعبادة، فهذا الكتاب المنزل علي، والكتب المنزلة على الرسل لا حجة لكم فيها، بل معظم المشركين لا يستندون إلا إلى الجهل والتقليد، فهم معرضون عن قبول الحق.
وما بعثنا من قبلك - أيها الرسول - رسولًا إلا نوحي إليه أنه لا معبود بحق إلا أنا فاعبدوني وحدي، ولا تشركوا بي شيئًا.
وقال المشركون: اتخذ الله الملائكة بنات، تَنَزَّه سبحانه وتَقَدَّس عما يقولونه من الكذب، بل الملائكة عباد لله، مكرمون منه، مقربون إليه.
لا يتقدّمون ربهم بقول، فلا ينطقون به حتى يأمرهم، وهم بأمره يعملون، فلا يخالفون له أمرًا.
يعلم سابق أعمالهم ولاحقها، ولا يسألون الشفاعة إلا بإذنه لمن ارتضى الشفاعة له، وهم من خوفه سبحانه حذرون، فلا يخالفونه في أمر ولا نهي.
ومن يقل من الملائكة من باب الافتراض: إني معبود من دون الله، فإننا نجزيه على قوله بعذاب جهنم يوم القيامة خالدًا فيها، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين بالكفر والشرك بالله.
أوَلم يعلم الذين كفروا بالله أن السماوات والأرض كانتا مُلْتصِقتين، لا فراغ بينهما فينزل منه المطر، ففصلنا بينهما، وجعلنا من الماء النازل من السماء إلى الأرض كل شيء من حيوان أو نبات، أفلا يعتبرون بذلك، ويؤمنون بالله وحده؟!
وخلقنا في الأرض جبالًا ثابتة حتى لا تضطرب بمن عليها، وجعلنا فيها مسالك وطرقًا واسعة لعلّهم يهتدون في أسفارهم إلى مقاصدهم.
وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا من السقوط من غير عَمَد، ومحفوظًا من اسْتِراق السمع، والمشركون عما في السماء من الآيات - كالشمس والقمر - معرضون لا يعتبرون.
والله وحده هو الذي خلق الليل للراحة، وخلق النهار لكسب المعاش، وخلق الشمس علامة على النهار، والقمر علامة على الليل، كل من الشمس والقمر يجري في مداره الخاص به، لا ينحرف عنه ولا يميل.
وما جعلنا لأحد من البشر قبلك - أيها الرسول - البقاء في هذه الحياة؟ أفإن انقضى أجلك في هذه الحياة ومتّ فهؤلاء باقون بعدك؟! كلا.
كل نفس مؤمنة أو كافرة ذائقة الموت في الدنيا، ونختبركم - أيها الناس - في الحياة الدنيا بالتكاليف والنعم والنقم، ثم بعد موتكم إلينا لا إلى غيرنا ترجعون، فنجازيكم على أعمالكم.
