واذكر - أيها الرسول - عبادنا الذين اصطفيناهم ورسلنا الذين أرسلناهم: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقد كانوا أصحاب قوة في طاعة الله وتلمّس مرضاته، وكانوا أصحاب بصيرة في الحق صادقة.
أحداث البداية
سورة ص
سورة ص
واذكر - أيها الرسول - عبادنا الذين اصطفيناهم ورسلنا الذين أرسلناهم: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقد كانوا أصحاب قوة في طاعة الله وتلمّس مرضاته، وكانوا أصحاب بصيرة في الحق صادقة.
إنا مننا عليهم بخاصة اختصصناهم بها، وهي إعمار قلوبهم بذكر الدار الآخرة والاستعداد لها بالعمل الصالح ودعوة الناس إلى العمل لها.
وإنهم عندنا لممن اصطفيناهم لطاعتنا وعبادتنا، واخترناهم لحمل رسالتنا وتبليغها للناس.
واذكر - أيها النبي - إسماعيل بن إبراهيم، واذكر اليَسَعَ، واذكر ذا الكِفْل، وأثن عليهم بأحسن ثناء، فهم أهلِ له، وكل هؤلاء من المختارين عند الله المصطفَين.
هذا ذكر لهؤلاء بالثناء الجميل في القرآن، وإن للمتقين بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه لمرجعًا حسنًا في الدار الآخرة.
هذا المرجع الحسن هو جنات إقامة يدخلونها يوم القيامة، وقد فتحت لهم أبوابها احتفاءً بهم.
متكئين على الأرائك المزينة لهم، يطلبون من خدامهم أن يقدموا لهم ما يشتهونه من الفواكه الكثيرة المتنوعة، ومن الشراب مما يشتهونه من خمر وغيرها.
وعندهم نساء قاصرات أطرافهن على أزواجهن، لا تتجاوزهم إلى غيرهم، وهن مستويات في السن.
هذا ما توعدون - أيها المتقون - من الجزاء الطيب يوم القيامة على أعمالكم الصالحة التي كنتم تعملونها في الدنيا.
إن هذا الذي ذكرنا من الجزاء لرزقنا نرزق به المتقين يوم القيامة، وهو رزق مستمر، لا ينقطع ولا ينتهي.
هذا الذي ذكرنا جزاء المتقين، وإن للمتجاوزين لحدود الله بالكفر والمعاصي لجزاءً مغايرًا لجزاء المتقين، فلهم شر مرجع يرجعون إليه يوم القيامة.
هذا الجزاء هو جهنم تحيط بهم، ويعانون حرها ولهيبها، لهم منها فراش، فبئس الفراش فراشهم.
هذا العذاب ماء متناهي الحرارة، وصديد سائل من أجساد أصحاب النار المعذبين فيها، فليشربوه، فهو شرابهم الذي لا يروي من عطش.
ولهم عذاب آخر من شكل هذا العذاب، فلهم عدة أصناف من العذاب يُعَذَّبون بها في الآخرة.
وإذا دخل أهل النار وقع بينهم ما يقع بين الخصوم من الشتم، وتبرأ بعضهم من بعض، فيقول بعضهم: هذه طائفة من أهل النار داخلة النار معكم، فيجيبونهم: لا مرحبًا بهم إنهم مقاسون من عذاب النار مثل ما نقاسيه.
قال فوج الأتباع لسادته المتبوعين: بل أنتم - أيها السادة المتبوعون - لا مرحبًا بكم، فأنتم من تسببتم لنا بهذا العذاب الأليم بإضلالكم لنا وإغوائكم، فبئس القرار هذا القرار، قرار الجميع الذي هو نار جهنم.
قال الأتباع: يا ربنا، من أضلنا عن الهدى بعد إذ جاءنا فاجعل عذابه في النار عذابًا مضاعفًا.
وقال المتكبرون الطغاة: ما لنا لا نرى معنا في النار رجالًا كنا نحسبهم في الدنيا من الأشقياء الذين يستحقون العذاب.
أكانت سخريتنا واستهزاؤنا بهم خطأ فلم يستحقوا العذاب، أم أن استهزاءنا بهم كان صوابًا، وقد دخلوا النار، ولم تقع عليهم أبصارنا؟!
إن ذلك الذي ذكرنا لكم من تخاصم الكفار بينهم يوم القيامة لَحَقٌّ لا مرية فيه ولا ريب.
قل - يا محمد - للكفار من قومك: إنما أنا منذر لكم من عذاب الله أن يوقعه عليكم بسبب كفركم به وتكذيبكم لرسله، وليس يوجد إله يستحق العبادة إلا الله سبحانه، فهو المنفرد في عظمته وصفاته وأسمائه، وهو القهار الذي قهر كل شيء، فكل شيء خاضع له.
وهو رب السماوات ورب الأرض ورب ما بينهما، وهو العزيز في ملكه الذي لا يغالبه أحد، وهو الغفار لذنوب التائبين من عباده.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المكذبين: إن القرآن خبر ذو شأن عظيم.
أنتم عن هذا الخبر العظيم الشأن معرضون، لا تلتفتون إليه.
ليس لي من علم بما كان يدور من حديث بين الملائكة بشأن خلق آدم، لولا أن الله أوحى إليَّ وعلّمني.
إنما يوحي الله إليَّ ما يوحيه لأني نذير لكم من عذابه بيّن النذارة.
اذكر حين قال ربك للملائكة: إني خالق بشرًا من طين وهو آدم عليه السلام.
فإذا سويَّت خلقه، وعدلت صورته، ونفخت فيه من روحي، فاسجدوا له.
فامتثل الملائكة أمر ربهم، فسجدوا جميعهم سجود تكريم، ولم يبق منهم أحد إلا سجد لآدم.
إلا إبليس تكبر عن السجود، وكان بتكبره على أمر ربه من الكافرين.
قال الله: يا إبليس، أي شيء منعك من السجود لآدم الذي خلقته بيدي؟! أمنعك من السجود التكبر، أم كنت من قبل ذا تكبر وعلوّ على ربك؟!
قال إبليس: أنا خير من آدم، فقد خلقتني من نار وخلقته من طين، وبزعمه أن النار أشرف عنصرًا من الطين.
قال الله لإبليس: فاخرج من الجنة فإنك ملعون مشتوم.
وإن عليك الطرد من الجنة إلى يوم الجزاء، وهو يوم القيامة.
قال إبليس: فأمهلني ولا تمتني إلى يوم تبعث عبادك.
قال الله: فإنك من المُمْهَلين.
إلى يوم الوقت المعلوم المحدد لإهلاكك.
قال إبليس: فأقسم بقدرتك وقهرك، لأضلنّ بني آدم أجمعين.
إلا من عصمته أنت من إضلالي وأخلصته لعبادتك وحدك.
قال الله تعالى: فالحق مني، والحق أقوله، لا أقول غيره.
لأملأن يوم القيامة جهنم منك وممن تبعك في كفرك من بني آدم أجمعين.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ما أسألكم على ما أبلغكم من النصح من جزاء، وما أنا من المتكلفين بالإتيان بزيادة على ما أمرت به.
ليس القرآن إلا تذكيرًا للمكلفين من الإنس والجنّ.
ولتعلمُنَّ خبر هذا القرآن، وأنه صادق بعد وقت قريب حين تموتون.