آيات الله في الكون

سورة فاطر

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {١٥}

يا أيها الناس، أنتم المحتاجون إلى الله في كل شؤونكم، وفي كل أحوالكم، والله هو الغني الذي لا يحتاج إليكم في شيء، المحمود في الدنيا والآخرة على ما يقدره لعباده.

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ {١٦}

إن يشأ سبحانه أن يزيلكم بهلاك يهلككم به أزالكم، ويأت بخلق جديد بدلكم يعبدونه، لا يشركون به شيئًا.

وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ {١٧}

وما إزالتكم بإهلاككم، والإتيان بخلق جديد بدلكم، بممتنع على الله سبحانه وتعالى.

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {١٨}

ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس مذنبة أخرى، بل كل نفس مذنبة تحمل ذنبها، وإن تدع نفس مُثْقَلة بحمل ذنوبها مَن يحمل عنها شيئًا من ذنوبها لا يُحْمل عنها من ذنوبها شيء، ولو كان المدعو قريبًا لها، إنما تخوّف - أيها الرسول - من عذاب الله الذين يخافون ربهم بالغيب، وأتمّوا الصلاة على أكمل وجوهها، فهم الذين ينتفعون بتخويفك، ومن تطهّر من المعاصي - وأعظمها الشرك - فإنما يتطهر لنفسه، لأن نفع ذلك عائد إليه، فالله غني عن طاعته، وإلى الله الرجوع يوم القيامة للحساب والجزاء.

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ {١٩}

وما يستوي الكافر والمؤمن في المنزلة، كما لا يستوي الأعمى والبصير.

وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ {٢٠}

ولا يستوي الكفر والإيمان، كما لا تستوي الظلمات والنور.

وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ {٢١}

ولا تستوي الجنة والنار في آثارهما، كما لا يستوي الظل والريح الحارة.

وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ {٢٢}

وما يستوي المؤمنون والكفار، كما لا يستوي الأحياء والأموات، إن الله يُسْمِع من يشاء هدايته، وما أنت - أيها الرسول - بمُسْمِع الكفار الذين هم مثل الموتى في القبور.

إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ {٢٣}

ما أنت إلا منذر لهم من عذاب الله.

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ {٢٤}

إنا بعثناك - أيها الرسول - بالحق الذي لا مرية فيه، مبشرًا للمؤمنين بما أعدّ الله لهم من الثواب الكريم، ومنذرًا للكافرين مما أعدّ لهم من العذاب الأليم، وما من أمة من الأمم السابقة إلا سلف فيها رسول من عند الله ينذرها من عذابه.

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {٢٥}

وإن يكذبك قومك - أيها الرسول - فاصبر، فلست أول رسول كذبه قومه، فقد كذبت الأمم السابقة لهؤلاء رسلَهم مثل عاد وثمود وقوم لوط، جاءتهم رسلهم من عند الله بالحجج الواضحة الدالة على صدقهم، وجاءتهم رسلهم بالصحف، وبالكتاب المنير لمن تدبره وتأمله.

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ {٢٦}

ومع ذلك كفروا بالله ورسله ولم يصدقوهم فيما جاؤوا به من عنده، فأهلكتُ الذين كفروا، فتأمل - أيها الرسول - كيف كان إنكاري عليهم حيث أهلكتهم.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {٢٧}

- ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {٢٨}

ومن الناس، ومن الدواب، ومن الأنعام (الإبل، والبقر، والغنم) مختلف ألوانه مثل ذلك المذكور، إنما يعظم مقام الله تعالى ويخشاه العالمون به سبحانه، لأنهم عرفوا صفاته وشرعه ودلائل قدرته، إن الله عزيز لا يغالبه أحد، غفور لذنوب من تاب من عباده.

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ {٢٩}

إن الذين يقرؤون كتاب الله الذي أنزلناه على رسولنا ويعملون بما فيه، وأتموا الصلاة على أحسن وجه، وأنفقوا مما رزقناهم على سبيل الزكاة وغيرها خُفْيَةً وجَهْرًا، يرجون بتلك الأعمال تجارة عند الله لن تكسد.

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ {٣٠}

ليوفيهم الله ثواب أعمالهم كاملة، ويزيدهم من فضله، فهو أهل لذلك، إنه سبحانه غفور لذنوب المتصفين بهذه الصفات، شكور لأعمالهم الحسنة.

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ {٣١}

والذي أوحيناه إليك - أيها الرسول - من الكتاب هو الحق الذي لا شك فيه، الذي أنزله الله تصديقًا للكتب السابقة، إن الله لخبير بعباده بصير، فهو يوحي إلى رسول كل أمة ما تحتاج إليه في زمانها.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {٣٢}

ثم أعطينا أمة محمد ﷺ الذين اخترناهم على الأمم القرآن، فمنهم ظالم لنفسه بفعل المحرمات وترك الواجبات، ومنهم مقتصد بفعل الواجبات وترك المحرمات، مع ترك بعض المستحبات وفعل بعض المكروهات، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وذلك بفعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، ذلك المذكور - من الاختيار لهذه الأمة وإعطائها القرآن - هو الفضل الكبير الذي لا يدانيه فضل.

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ {٣٣}

جنات إقامة يدخلها هؤلاء المصطَفَوْن، يلبسون فيها لؤلؤًا وأساور من ذهب، ولباسهم فيها حرير.

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ {٣٤}

وقالوا بعد دخولهم الجنة: الحمد لله الذي أزال عنا الحزن بسبب ما كنا نخافه من دخول النار، إن ربنا لغفور لذنوب من تاب من عباده، شكور لهم على طاعتهم.

الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ {٣٥}

الذي أنزلَنا دار الإقامة - التي لا نقلة بعدها - من فضله، لا بحول منا ولا قوة، لا يصيبنا فيها تعب ولا عناء.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ {٣٦}

ولما ذكر الله جزاء المُصْطَفَين من عباده ذكر جزاء الأرذلين منهم وهم الكفار، فقال: والذين كفروا بالله لهم نار جهنم خالدين فيها، لا يُقْضى عليهم بالموت فيموتوا ويستريحوا من العذاب، ولا يُخَفَّف عنهم من عذاب جهنم شيء، مثل هذا الجزاء نجزي يوم القيامة كل جحود لنعم ربه.

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ {٣٧}

وهم يصيحون فيها بأعلى أصواتهم يستغيثون قائلين: ربنا أخرجنا من النار نعمل عملًا صالحًا مغايرًا لما كنا نعمل في الدنيا لننال رضاك، ونسلم من عذابك، فيجيبهم الله: أوَلم نجعلكم تعيشون عمرًا يتذكر فيه من يريد أن يتذكر، فيتوب إلى الله ويعمل عملًا صالحًا، وجاءكم الرسول منذرًا لكم من عذاب الله؟! فلا حجة لكم، ولا عذر بعد هذا كله، فذوقوا عذاب النار، فما للظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي من نصير ينقذهم من عذاب الله أو يخففه عنهم.

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {٣٨}

إن الله عالم غيب السماوات والأرض، لا يفوته شيء منه، إنه عليم بما يخفيه عباده في صدورهم من الخير والشر.

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا {٣٩}

هو الذي جعل بعضكم - أيها الناس - يخلف في الأرض بعضًا ليختبركم كيف تعملون، فمن كفر بالله وبما جاءت به الرسل فإثم كفره وعقابه عائد عليه، ولا يضر كفرُهُ ربَّه، ولا يزيد الكفار كفرهم عند ربهم سبحانه إلا بغضًا شديدًا، ولا يزيد الكفار كفرهم إلا خسارًا، حيث إنهم يخسرون ما كان أعد الله لهم في الجنة لو آمنوا.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا {٤٠}

قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أخبروني عن شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله، ماذا خلقوا من الأرض؟ أخلقوا جبالها؟ أخلقوا أنهارها؟ أخلقوا دوابَّها؟ أم أنهم شركاء مع الله في خلق السماوات؟ أم أعطيناهم كتابًا فيه حجة على صحة عبادتهم لشركائهم؟ لا شيء من ذلك حاصل، بل لا يَعِدُ الظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي بعضهم بعضًا إلا خداعًا.

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {٤١}

إن الله سبحانه يمسك السماوات والأرض مانعًا إياهما من الزوال، ولئن زالتا - على سبيل الفرض - فلا أحد يمسكهما عن الزوال من بعده سبحانه، إنه كان حليمًا لا يعاجل بالعقوبة، غفورًا لذنوب من تاب من عباده.