الإسلام دين الأنبياء
سورة البقرة
واذكر حين اختبر الله إبراهيم عليه السلام بما أمره به من أحكام وتكاليف، فقام بها وأتم أداءها على أكمل وجه، قال الله لنبيه إبراهيم: إني جاعلك للناس قدوة يُقْتدى بك في أفعالك وأخلاقك، قال إبراهيم: واجعل - يا رب - من ذريتي كذلك أئمة يقتدي بهم الناس، قال الله مجيبًا إياه: لا ينال عهدي لك بالإمامة في الدين الظالمين من ذريتك.
واذكر حين جعل الله البيت الحرام مرجعًا للناس تتعلق به قلوبهم، كلما رحلوا عنه رجعوا إليه، وجعله أمنًا لهم، لا يُعتَدى عليهم فيه. وقال للناس: اتخذوا من الحَجَر - الذي كان يقف عليه إبراهيم وهو يبني الكعبة - مكانًا للصلاة. وأوصينا إبراهيم وابنه إسماعيل بتطهير البيت الحرام من الأقذار والأوثان وتهيئته لمن أراد التعبد فيه بالطواف والاعتكاف والصلاة وغيرها.
واذكر - أيها النبي - حين قال إبراهيم وهو يدعو ربه: رب اجعل مكة بلدًا آمنًا، لا يُتعرض فيه لأحد بسوء، وارزق أهله من أنواع الثمرات، واجعله رزقًا خاصًّا بالمؤمنين بك وباليوم الآخر، قال الله: ومن كفر منهم فإني أمتّعه بما أرزقه في الدنيا متاعًا قليلًا، ثم في الآخرة أُلجِئه مُكرهًا إلى عذاب النار، وبئس المصير الذي يرجع إليه يوم القيامة.
واذكر - أيها النبي - حين كان يرفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة، وهما يقولان - في خضوع وتذلل -: ربنا تقبل منا أعمالنا - ومنها بناء هذا البيت - إنك أنت المجيب لدعائنا، العليم بنياتنا وأعمالنا.
ربنا واجعلنا مُستَسلِمَين لأمرك، خاضعَين لك، لا نشرك معك أحدًا، واجعل من ذريتنا أمة مستسلمة لك، وعرِّفنا عبادتك كيف تكون، وتجاوز عن سيئاتنا وتقصيرنا في طاعتك، إنك أنت التواب على من تاب من عبادك، الرحيم بهم.
ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم من ذرية إسماعيل، يتلو عليهم آياتك المنزلة، ويعلمهم القرآن والسُّنَّة، ويطهرهم من الشرك والرذائل، إنك أنت القوي الغالب، الحكيم في أفعالك وأحكامك.
ولا أحد ينصرف عن دين إبراهيم عليه السلام إلى غيره من الأديان إلا من ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، ورضي لها بالهوان. ولقد اخترناه في الدنيا رسولًا وخليلًا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين أدوا ما أوجب الله عليهم، فنالوا أعلى الدرجات.
اختاره الله لمسارعته إلى الإسلام حين قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، فقال مجيبًا ربه: أسلمت لله خالق العباد ورازقهم ومدبر شؤونهم.
ووصّى إبراهيمُ أبناءه بهذه الكلمة: ﴿أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾، ووصّى بها كذلك يعقوبُ أبناءه، قالا مناديين أبناءهما: إن الله اختار لكم دين الإسلام، فاستمسكوا به حتى يأتيكم الموت، وأنتم مسلمون لله ظاهرًا وباطنًا.
أم كنتم حاضرين خبر يعقوب حين حضرته الوفاة، حين قال لأبنائه سائلًا إياهم: ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا جوابًا لسؤاله: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، إلهًا واحدًا لا شريك له، ونحن له وحده مستسلمون ومنقادون.
تلك أمة قد مضتْ فيمن مضى قبلكم من الأمم، وأفْضَتْ إلى ما قَدَّمَتْ من عمل، فلها ما كسبت من حَسن أو سيئ، ولكم ما كسبتم، ولا تُسْألون عن أعمالهم، ولا يُسْألون عن أعمالكم، ولا يؤاخَذ أحدٌ بذنب غيره، بل يُجازى كل واحد بما قدم، فلا يشغلكم عمل من مضى قبلكم عن النظر في عملكم، فإن أحدًا لن ينفعه بعد رحمة الله غير عمله الصالح.
وقال اليهود لهذه الأمة: كونوا يهودًا تسلكوا سبيل الهداية، وقال النصارى: كونوا نصارى تسلكوا سبيل الهداية. قل - أيها النبي - مجيبًا إياهم: بل نتبع دين إبراهيم، المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، ولم يكن ممن أشركوا مع الله أحدًا.
قولوا - أيها المؤمنون - لأصحاب هذه الدعوى الباطلة من يهود ونصارى: آمنا بالله وبالقرآن الذي أنزل إلينا، وآمنا بما أنزل على إبراهيم وأبنائه إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وآمنا بما أنزل على الأنبياء من ولد يعقوب، وآمنا بالتوراة التي آتاها الله موسى، والإنجيل الذي آتاه الله عيسى، وآمنا بالكتب التي آتاها الله الأنبياء جميعًا، لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض، بل نؤمن بهم جميعًا، ونحن له سبحانه وحده منقادون خاضعون.
فإن آمن اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار إيمانًا مثل إيمانكم، فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله، وإن أعرضوا عن الإيمان بأن كذبوا بالأنبياء كلهم أو ببعضهم فإنما هم في اختِلاف وعِداء، فلا تحزن - أيها النبي - فإن الله سيكفيك أذاهم، ويمنعك من شرهم، وينصرك عليهم، فهو السميع لأقوالهم، والعليم بنياتهم وأفعالهم.
الزموا دين الله الذي فطركم عليه ظاهرًا وباطنًا، فلا أحسن دينًا من دين الله، فهو موافق للفطرة، جالب للمصالح، مانع للمفاسد، وقولوا: نحن عابدون لله وحده لا نشرك معه غيره.
قل - أيها النبي -: أتجادلوننا - يا أهل الكتاب - في أنكم أولى بالله ودينه منّا، لأن دينكم أقدم وكتابكم أسبق، فإن ذلك لا ينفعكم، فالله هو ربنا جميعًا لا تختصون به، ولنا أعمالنا التي لا تُسألون عنها، ولكم أعمالكم التي لا نُسأل عنها، وكلٌّ سيُجْزى بعمله، ونحن مخلصون لله في العبادة والطاعة لا نشرك به شيئًا.
أم تقولون - يا أهل الكتاب -: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأنبياء من ولد يعقوب، كانوا على ملة اليهودية أو النصرانية؟ قل - أيها النبي - مجيبًا إياهم: أأنتم أعلم أم الله؟! فإن زعموا أنهم كانوا على ملَّتهم فقد كذبوا، لأنّ مبعثهم وموتهم كان قبل نزول التوراة والإنجيل! وعُلم بذلك أن ما يقولونه كذب على الله ورسله، وأنهم كتموا الحق الذي نزل عليهم، ولا أحد أشد ظلمًا من الذي كتم شهادة ثابتةً عنده عَلِمَها من الله، كفعل أهل الكتاب، وليس الله بغافل عن أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
تلك أمة قد مضت من قبلكم، وأفضت إلى ما قدمت من عمل، فلها ما كسبت من الأعمال، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عن أعمالهم، ولا يسألون عن أعمالكم، فلا يؤخذ أحد بذنب أحد، ولا ينتفع بعمل غيره، بل كلٌّ سيجازى على ما قدم.