الإسلام.. أخلاق وتوحيد
سورة الاسراء
وأمرَ ربك - أيها العبد - وأوجبَ ألا يُعْبد غيره، وأمر بالإحسان إلى الوالدين خاصة عند بلوغ الكبر، فإن بلغ أحد الوالدين الكبر أو بلغه كلاهما عندك، فلا تتضجر منهما بالتفوُّه بما يدل على ذلك، ولا تزجرهما ولا تغلظ عليهما في القول، وقل لهما قولًا كريمًا فيه لين ولطف.
وتواضع لهما ذلًّا ورحمة بهما، وقل: يا رب، ارحمهما رحمة لأجل تربيتهما إياي في صغري.
ربكم - أيها الناس - أعلم بما في ضمائركم من الإخلاص له في العبادة وأعمال الخير، والبر بالوالدين، فإن كانت نياتكم في عبادتكم ومعاملتكم لوالديكم وغيرهما صالحة فإنه سبحانه كان للرجّاعين إليه بالتوبة غفورًا، فمن تاب من تقصيره السابق في طاعته لربه أو لوالديه غفر الله له.
وأعط - أيها المؤمن - القريب حقه من صلة رحمه، وأعط الفقير المحتاج، وأعط المنقطع في سفره، ولا تنفق مالك في معصية، أو على وجه الإسراف.
إن المنفقين أموالهم في المعاصي، والمسرفين في الإنفاق كانوا إخوان الشياطين، يطيعونهم فيما يأمرونهم به من التبذير والإسراف، وكان الشيطان لربه كفورًا، فلا يعمل إلا بما فيه معصية، ولا يأمر إلا بما يسخط ربه.
وإن امتنعت عن إعطاء هؤلاء، لعدم وجود ما تعطيهم إياه منتظرًا ما يفتح الله به عليك من رزق، فقل لهم قولًا لينًا سهلًا، مثل أن تدعو لهم بسعة الرزق، أو تعدهم بالعطاء إن رزقك الله مالًا.
ولا تمسك يدك عن الإنفاق، ولا تسرف في الإنفاق، فتصير ملومًا يلومك الناس على بخلك إن أمسكت يدك عن الإنفاق، منقطعًا عن الإنفاق لإسرافك، فلم تجد ما تنفقه.
إن ربك يوسع الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء لحكمة بالغة، إنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا، لا يخفى عليه منهم شيء، فيصرف أمره فيهم بما يشاء.
ولا تقتلوا أولادكم خوفًا من الفقر مستقبلًا إذا أنفقتم عليهم، نحن نتكفل برزقهم، ونتكفل برزقكم أنتم، إن قتلهم كان إثمًا كبيرًا، إذ لا ذنب لهم ولا سبب يستوجب قتلهم.
واحذروا الزنى، وتجنبوا ما يشجع عليه، إنه كان متناهيًا في القبح، وساء طريقًا لما يؤديه من اختلاط الأنساب، ومن عذاب الله.
ولا تقتلوا النفس التي عصم الله دمها بإيمان أو بأمان إلا إن استحقت القتل برِدَّة، أو بزنى بعد إحصان، أو بقصاص، ومن قُتِل مظلومًا دون سبب يبيح قتله فقد جعلنا لمن يلي أمره من ورثته تسلطًا على قاتله، فله أن يطالب بقتله قصاصًا، وله العفو دون مقابل، وله العفو وأخذ الدية، فلا يتجاوز الحد الذي أباحه الله له بالتمثيل بالقاتل، أو بقتله بغير ما قتل به، أو بقتل غير القاتل، إنه كان مُؤَيَّدًا مُعانًا.
ولا تتصرفوا في مال من مات والده من الأطفال إلا بما هو أصلح له من تنميته وحفظه حتى يبلغ كمال عقله ورشده، وأوفوا بما بينكم وبين الله، وبما بينكم وبين عباده من عهد دون نقض أو نقص، إن الله يسأل معطي العهد يوم القيامة: هل وفى به فيثيبه أو لم يف به فيعاقبه.
وأتموا الكيل إذا كلتم لغيركم ولا تخسروه، وزنوا بالميزان العدل الذي لا ينقص شيئًا ولا يبخسه، ذلك الإيفاء للكيل والوزن خير لكم في الدنيا والآخرة، وأحسن عاقبة من التطفيف بنقص المكاييل والموازين.
ولا تتبع - يا ابن آدم - ما لا علم لك به، فتتبع الظنون والحدس، إن الإنسان مسؤول عما استخدم فيه سمعه وبصره وفؤاده من خير أو شر، فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر.
ولا تمش في الأرض تكبرًا واختيالًا، إنك إن تمش فيها متعاليًا لن تقطع الأرض بمشيتك، ولن تصل قامتك إلى ما وصلت إليه الجبال طولًا وارتفاعًا، فعلامَ التكبر إذن؟!
كل ما سبق ذكره كان السيئ منه عند ربك - أيها الإنسان - ممنوعًا، لا يرضى الله عن مرتكبه، بل يبغضه.
ذلك الذي وضحناه من الأوامر والنواهي والأحكام مما أوحاه إليك ربك، ولا تتخذ - أيها الإنسان - مع الله معبودًا آخر، فتُرْمى في جهنم يوم القيامة ملومًا تلومك نفسك ويلومك الناس، مطرودًا عن كل خير.
يا من تدعون أن الملائكة بنات الله، أفاختصّكم ربكم - أيها المشركون - بالذكور من الأولاد، واتخذ لنفسه الملائكة بنات؟ تعالى الله عما تقولون، إنكم لتقولون على الله سبحانه قولًا بالغ القبح حيث تنسبون له الولد، وتزعمون أن له البنات إمعانًا في الكفر به.
ولقد أوضحنا في هذا القرآن الأحكام والمواعظ والأمثال ليتعظ بها الناس، فيسلكوا ما ينفعهم، ويتركوا ما يضرهم، والحال أن بعضهم ممن انتكست فطرتهم لم يزدد بذلك إلا بعدًا عن الحق وكراهية له.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: لو كان مع الله تعالى معبودات كما يقولون افتراء وكذبًا إذن لطلبت تلك المعبودات المزعومة إلى الله ذي العرش طريقًا لتغالبه على ملكه وتنازعه فيه.
تنزه الله سبحانه وتقدس عما يصفه به المشركون، وتعالى عما يقولونه علوًّا كبيرًا.
تسبح لله السماوات، وتسبح لله الأرض، ويسبح لله من في السماوات والأرض من المخلوقات، وما من شيء إلا ينزهه قارنًا تنزيهه إياه بالثناء، ولكن لا تفهمون كيفية تسبيحهم، فأنتم لا تفهمون إلا تسبيح من يسبح بلسانكم، إنه تعالى كان حليمًا لا يعاجل بالعقوبة، غفورًا لمن تاب إليه.
وإذا قرأت - أيها الرسول - القرآن فسمعوا ما فيه من الزواجر والمواعظ جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بيوم القيامة حجابًا ساترًا يمنعهم من فهم القرآن عقابًا لهم على إعراضهم.
وصيرنا على قلوبهم أغطية حتى لا يفهموا القرآن، وصيرنا في آذانهم ثقلًا حتى لا يسمعوه سماع انتفاع، وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده، ولم تذكر آلهتهم المزعومة رجعوا على أعقابهم متباعدين عن إخلاص التوحيد لله.
نحن أعلم بطريقة استماع رؤسائهم للقرآن، فهم لا يريدون الاهتداء به، بل يريدون الاستخفاف واللغو عند قراءتك، ونحن أعلم بما يتناجون به من التكذيب والصد عنه، حين يقول هؤلاء الظالمون لأنفسهم بالكفر: لا تتبعون - أيها الناس - إلا رجلًا مسحورًا اختلط عقله.
تأمل - أيها الرسول - لتعجب مما وصفوك به من صفات مذمومة مختلفة، فانحرفوا عن الحق، وحاروا فلم يهتدوا إلى طريق الحق.
وقال المشركون إنكارًا للبعث: أإذا متنا وصرنا عظامًا، وبليت أجسامنا، أنبعث بعثًا جديدًا؟ إن هذا لمستحيل.
- قل لهم - أيها الرسول -: كونوا - أيها المشركون - إن استطعتم حجارة في شدتها، أو
أو كونوا خلقًا آخر أعظم منهما مما يعظم في صدوركم، فإن الله معيدكم كما بدأكم، ومحييكم كما خلقكم أول مرة، فسيقول هؤلاء المعاندون: من يعيدنا أحياء بعد موتنا؟ قل لهم: يعيدكم الذي خلقكم أول مرة على غير مثال سابق، فسيحركون رؤوسهم ساخرين من ردك عليهم، ويقولون مستبعدين: متى هذه الإعادة؟! قل لهم: لعلها قريبة، فكل ما هو آت قريب.
يعيدكم الله يوم يناديكم إلى أرض المحشر، فتستجيبون منقادين لأمره، حامدين إياه، وتظنون أنكم ما مكثتم في الأرض إلا زمنًا قليلًا.