وصايا وتحذيرات
سورة الأنعام
قل - أيها الرسول - للناس: تعالوا أقرأ عليكم ما حرمه الله، حرم عليكم أن تشركوا به شيئًا من مخلوقاته، وأن تعقُّوا آباءكم، بل يجب عليكم الإحسان إليهم، وأن تقتلوا أولادكم بسبب الفقر، كما كان يفعل أهل الجاهلية، نحن نرزقكم ونرزقهم، وحرم أن تقربوا الفواحش ما أُعْلِن منها وما أُسِرَّ به، وأن تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، كالزنى بعد الإحصان، والردة بعد الإسلام، ذلكم المذكور وصّاكم به لعلكم تعقلون عن الله أوامره ونواهيه.
وحَرَّم أن تتعرضوا لمال اليتيم - وهو الذي فقد أباه قبل البلوغ - إلا بما فيه صَلاح ونفع له وزيادة لماله حتى يبلغ ويُؤْنَس منه الرُّشد، وحَرَّم عليكم التَّطْفيف في الكيل والميزان، بل يجب عليكم العدل في الأخذ والإعطاء في البيع والشراء، لا نكلف نفسًا إلا طاقتها، فما لا يمكن الاحتراز منه من الزيادة أو النقصان في المكاييل وغيرها لا مؤاخذة فيه، وحَرَّم عليكم أن تقولوا غير الصواب في خبر أو شهادة دون مُحاباة قريب أو صديق، وحَرَّم عليكم نَقْض عهد الله إن عاهدتم الله أو عاهدتم بالله، بل يجب عليكم الوفاء بذلك، ذلك المتقدم أمَرَكم الله به أمرًا مؤكدًا، رجاء أن تتذكروا عاقبة أمركم.
وحَرَّم عليكم أن تتبعوا سُبُل الضلال وطرقه، بل يجب عليكم اتباع طريق الله المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وطرق الضلال تؤدي بكم إلى التفرق والبعد عن طريق الحق، ذلك الاتباع لطريق الله المستقيم هو الذي وصّاكم الله به، رجاء أن تتَّقوه بامتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.
ثم بعد الإخبار بما ذُكِر نخبر أنّا أعطينا موسى التوراة تمامًا للنعمة جزاءً على إحسانه العمل، وتبيينًا لكل شيء يحتاج إليه في الدين، ودلالة على الحق ورحمة رجاء أن يؤمنوا بلقاء ربهم يوم القيامة فيستعدوا له بالعمل الصالح.
وهذا القرآن كتاب أنزلناه كثير البركة، لما يشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية، فاتبعوا ما أنزل فيه، واحذروا مخالفته رجاء أن ترحموا.
لئلا تقولوا - يا مشركي العرب -: إنما أنزل الله التوراة والإنجيل على اليهود والنصارى من قبلنا، ولم يُنزل علينا كتابًا، وإنا لا ندري تلاوة كتبهم لأنها بلُغتهم، وليست بلُغتنا.
ولئلا تقولوا: لو أنزل الله علينا كتابًا كما أنزله على اليهود والنصارى لكُنّا أكثر استقامة منهم، فقد جاءكم كتاب أنزله الله على نبيكم محمد ﷺ بلسانكم، وذلك حجة واضحة وإرشاد إلى الحق ورحمة للأمة، فلا تعتذروا بالأعذار الواهية، وتتعللوا بالعلل الباطلة، ولا أحد أعظم ظلمًا ممن كذَّب بآيات الله وانصرف عنها، سنعاقب الذين ينصرفون عن آياتنا عقابًا شديدًا بإدخالهم في نار جهنم جزاءً على انصرافهم وإعراضهم عنها.
ما ينتظر المكذبون إلا أن يأتيهم ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم في الدنيا، أو يأتي ربك يوم الفصل في الآخرة - أيها الرسول - لفصل القضاء بينهم، أو يأتي بعض آيات ربك الدالة على الساعة، يوم يأتي بعض آيات ربك - كطلوع الشمس من مغربها - لا ينفع كافرًا إيمانه، ولا ينفع مؤمنًا لم يعمل خيرًا من قبله عملُه، قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المكذبين: انتظروا أحد هذه الأشياء، إنا منتظرون.
إن الذين جعلوا دينهم متفرقًا من اليهود والنصارى، حيث أخذوا بعضه وتركوا بعضه، وكانوا فِرَقًا مختلفين، لستَ - أيها الرسول - منهم في شيء، فأنت بريء مما هم عليه من الضلال، وليس عليك إلا إنذارهم، فأَمْرهم موكول إلى الله، ثم هو يوم القيامة يخبرهم بما كانوا يعملون في الدنيا فيجازيهم عليه.
من أتى يوم القيامة من المؤمنين بحسنة ضاعفها الله له عشر حسنات، ومن أتى بسيئة فلن يُعاقَب إلا بمثلها في الخِفَّة والعِظَم، لا أكثر منها، وهم يوم القيامة لا يُظْلمون بنقص ثواب الحسنات، ولا بزيادة عقاب السيئات.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المكذبين: إنني أرشدني ربي إلى طريق مستقيم هو طريق الدين القائم بمصالح الدنيا والآخرة، وهو ملة إبراهيم المائل إلى الحق، والذي لم يكن من المشركين قط.
قل - أيها الرسول -: إن صلاتي وذَبْحي لله وعلى اسم الله، لا على غيره، وحياتي وموتي، كل ذلك لله رب المخلوقات وحده، وليس لغيره نصيب في ذلك.
وهو سبحانه لا شريك له، ولا معبود بحق غيره، وبهذا التوحيد الخالص من الشرك أمرني الله، وأنا أول المستسلمين له من هذه الأمة.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أغير الله أطلب ربًّا وهو سبحانه وتعالى رب كل شيء؟! فهو رب المعبودات التي تعبدونها من دونه، ولا يحمل بريء ذنب غيره، ثم إلى ربكم وحده رجوعكم يوم القيامة فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه في الدنيا من أمر الدين.
والله هو الذي جعلكم تخلفون من سبقكم في الأرض، للقيام بعمارتها، ورفع بعضكم في الخلق والرزق وغيرهما فوق بعض درجات، ليختبركم فيما آتاكم من ذلك، إن ربك - أيها الرسول - سريع العقاب، فكل ما هو آت فهو قريب، وإنه لغفور لمن تاب من عباده رحيم به.