أنت مسؤول عن نفسك

سورة النساء

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا {١٠٥}

إنا أنزلنا إليك - أيها الرسول - القرآن مشتملًا على الحق، لتفصل بين الناس في كل شؤونهم بما علَّمك الله وألهمك لا بهواك ورأيك، ولا تكن للخائنين لأنفسهم وأمانتهم مدافعًا ترد عنهم من طالبهم بالحق.

وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا {١٠٦}

واطلب المغفرة والعفو من الله، إن الله كان غفورًا لمن تاب إليه من عباده، رحيمًا به.

وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا {١٠٧}

ولا تخاصم عن أي شخص يخون ويبالغ في إخفاء خيانته، والله لا يحب هؤلاء الخونة الكاذبين.

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا {١٠٨}

يستترون من الناس عند ارتكابهم معصية خوفًا وحياءً، ولا يستترون من الله، وهو معهم بإحاطته بهم، لا يخفى عليه منهم شيء حين يدَبِّرون خفية ما لا يرضى من القول، كالدفاع عن المذنب واتهام البريء، وكان الله بما يعملون في السر والعلن محيطًا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيهم على أعمالهم.

هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا {١٠٩}

ها أنتم - يا من يهمّكم أمر هؤلاء الذين يرتكبون جرمًا - خاصمتم عنهم في الحياة الدنيا لتثبتوا براءتهم، وتدفعوا عنهم العقوبة، فمن الذي يجادل الله عنهم يوم القيامة وقد علم حقيقة حالهم؟! ومن الذي يكون وكيلًا عليهم في ذلك اليوم؟! ولا شك أن أحدًا لا يستطيع ذلك.

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {١١٠}

ومن يعمل عملًا سيئًا، أو يظلم نفسه باقتراف المعاصي، ثم يطلب المغفرة من الله مقرًّا بذنبه نادمًا عليه مقلعًا عنه، يجد الله أبدًا غفورًا لذنوبه رحيمًا به.

وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {١١١}

ومن يرتكب إثمًا صغيرًا أو كبيرًا فإنما عقوبته عليه وحده، لا تتجاوزه إلى غيره، وكان الله عليمًا بأعمال العباد، حكيمًا في تدبيره وتشريعه.

وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {١١٢}

ومن يرتكب خطيئة على غير عمد، أو إثمًا بعمد، ثم يتهم به إنسانًا بريئًا من ذلك الذنب، فقد تَحمَّل بفعله ذلك كذبًا شديدًا وإثمًا بيِّنًا.

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {١١٣}

ولولا فضل الله عليك - أيها الرسول - بعصمتك لعزمت جماعةٌ من هؤلاء الذين يخونون أنفسهم أن يضلوك عن الحق فتحكم بغير القسط، وما يضلون حقيقة إلا أنفسهم، لأن عاقبة ما اقترفوه من محاولة الإضلال راجع عليهم، وأنزل الله عليك القرآن والسُّنَّة، وعلَّمك من الهدى والنور ما لم تكن تعلم قبل ذلك، وكان فضل الله عليك بالنبوة والعصمة عظيمًا.

لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {١١٤}

لا خير في كثير من الكلام الذي يُسِرُّه الناس، ولا نفع منه، إلا إن كان كلامهم أمرًا بصدقة، أو معروف جاء به الشرع ودل عليه العقل، أو دعوة إلى الإصلاح بين المتنازعين، ومن يفعل ذلك طلبًا لرضا الله فسوف نؤتيه ثوابًا عظيمًا.

وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {١١٥}

ومن يعاند الرسول ويخالفه فيما جاء به من بعد ما اتضح له الحق، ويتبع طريقًا غير طريق المؤمنين، نتركه وما اختار لنفسه، ولا نوفقه للحق لإعراضه عن عمد، وندخله نار جهنم يُعاني حرَّها، وساءت مرجعًا لأهلها.

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا {١١٦}

إن الله لا يغفر أن يُشرك به، بل يُخلد المشرك في النار، ويغفر ما دون الشرك من المعاصي لمن يشاء برحمته وفضله، ومن يشرك مع الله أحدًا فقد تاه عن الحق وبعد عنه بعدًا كثيرًا، لأنه سَوّى بين الخالق والمخلوق.