دلائل ربوبية الله
سورة يونس
﴿الر﴾ سبق الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة. هذه الآيات المتلوة في هذه السورة آيات القرآن المحكم المتقن المشتمل على الحكمة والأحكام.
أكان باعثًا للناس على التعجب أن أنزلنا الوحي على رجل من جنسهم، آمرين إياه أن يحذرهم من عذاب الله؟! وأخبرْ - أيها الرسول - الذين آمنوا بالله بما يسرهم، أن لهم منزلة عالية جزاء على ما قدموه من عمل صالح عند ربهم سبحانه، قال الكافرون: إن هذا الرجل الذي جاء بهذه الآيات لساحر ظاهر السحر.
إن ربكم - أيها المتعجبون - هو الله الذي خلق السماوات على عظمها، والأرض على اتساعها في ستة أيام، ثم علا وارتفع على العرش، فكيف تعجبون من إرساله رجلًا من جنسكم؟! وهو وحده الذي يقضي ويقدر في ملكه الواسع، وما لأحد أن يشفع لديه في شيء إلا بعد إذنه ورضاه عن الشافع، ذلكم المتصف بهذه الصفات هو الله ربكم، فأخلصوا له العبادة وحده، أفلا تتعظون بكل هذه البراهين والحجج على وحدانيته؟ فمن كان له أدنى اتعاظ علم ذلك، وآمن به.
إليه وحده رجوعكم يوم القيامة، ليجازيكم على أعمالكم، وعد الله الناس بذلك وعدًا صادقًا لا يخلفه، إنه على ذلك قادر، يبدأ إيجاد المخلوق على غير مثال سابق، ثم يعيده بعد موته، ليجزي سبحانه الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات بالعدل فلا ينقص من حسناتهم، ولا يزيد في سيئاتهم، والذين كفروا بالله وبرسله لهم شراب من ماء متناهي الحرارة، يقطع أمعاءهم، ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم بالله وبرسله.
هو الذي جعل الشمس تشع الضوء وتنشره، وجعل القمر نورًا يُسْتَنار به، وقَدَّرَ سيره بعدد منازله الثماني والعشرين، والمنزلة هي المسافة التي يقطعها كل يوم وليلة، لتعلموا - أيها الناس - بالشمس عدد الأيام، وبالقمر عدد الشهور والسنين، ما خلق الله السماوات والأرض وما فيهما إلا بالحق، ليظهر قدرته وعظمته للناس، يبين الله هذه الأدلة الواضحة والبراهين الجلية على وحدانيته لقوم يعلمون الاستدلال بها على ذلك.
إن في تَعاقُب الليل والنهار على العباد، وما يصحب ذلك من ظلمة وضياء، وقصر أحدهما وطوله، والمخلوقات التي في السماوات والأرض لعلامات دالة على قدرة الله لقوم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
إن الكافرين الذين لا يتوقعون لقاء الله فيخافوه أو يطمعوا فيه، وارتضوا الحياة الدنيا الفانية بدلًا من الحياة الأخروية الباقية، وسكنت أنفسهم إليها فرحة بها، والذين هم عن آيات الله ودلائله معرضون عنها لاهون.
أولئك المتصفون بهذه الصفات مستقرهم الذي يأوون إليه هو النار، بسبب ما اكتسبوه من الكفر والتكذيب بيوم القيامة.
إن الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات يرزقهم الله الهداية إلى العمل الصالح الموصل إلى رضاه، بسبب إيمانهم، ثم يدخلهم الله يوم القيامة في جنات النعيم الدائم، تجري من تحتهم الأنهار.
دعاؤهم في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه، وتحية الله لهم وتحية الملائكة وتحية بعضهم لبعض: سلام، وخاتمة دعائهم الثناء على الله رب المخلوقات كلها.