دلائل قدرة الله
سورة الحجر
﴿الر﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة. هذه الآيات رفيعة الشأن الدالة على أنها منزلة من عند الله هي آيات قرآن مُوضِّح للتوحيد والشرائع.
سيتمنى الكفار يوم القيامة لو كانوا مسلمين عندما يتضح لهم الأمر، وينكشف لهم بطلان ما كانوا عليه من الكفر في الدنيا.
اترك - أيها الرسول - هؤلاء المكذبين يأكلوا كما تأكل الأنعام، ويتمتعوا بملذات الدنيا المنقطعة، ويشغلهم طول الأمل عن الإيمان والعمل الصالح، فسوف يعلمون ما هم فيه من الخسران إذا وردوا على الله يوم القيامة.
وما أنزلنا الهلاك على قرية من القرى الظالمة إلا كان لها أجل محدد في علم الله، لا تتقدم عنه ولا تتأخر.
لا يأتي أمة من الأمم هلاكها قبل أن يحين أجلها، ولا يتأخر عنها الهلاك إذا حان أجلها، فعلى الظالمين ألا يغتروا بإمهال الله لهم.
وقال الكفار من أهل مكة للرسول ﷺ: يا أيها الذي نزل عليه - كما يدعي - الذكر إنك بدعواك هذه لمجنون تتصرف تصرف المجانين.
هلا جئتنا بالملائكة يشهدون لك، أو طلبت إهلاكنا بسبب كفرنا!
قال الله ردًّا على ما اقترحوه من مجيء الملائكة: لا ننزل الملائكة إلا وفق ما تقتضيه الحكمة حين يحين إهلاككم بالعذاب، وليسوا - إذا جئنا بالملائكة ولم يؤمنوا - بمُمْهَلين، بل سيعاجلون بالعقاب.
إنا نحن الذين نزلنا هذا القرآن على قلب محمد ﷺ تذكيرًا للناس، وإنا للقرآن لحافظون من الزيادة والنقصان والتبديل والتحريف.
ولقد بعثنا من قبلك - أيها الرسول - رسلًا في جماعات الكفر السابقة فكذبوهم، فلست بِدْعًا من الرسل في تكذيب أمتك لك.
وما يأتي جماعات الكفر السابقة رسول إلا كذبوه وسخروا منه.
كما أدخلنا التكذيب في قلوب تلك الأمم ندخله كذلك في قلوب مشركي مكة بإعراضهم وعنادهم.
لا يؤمنون بهذا القرآن المنزل على محمد ﷺ، وقد مضت سُنَّة الله في إهلاك المكذبين بما جاءت به رسلهم، فليعتبر المكذبون بك.
وهؤلاء المكذبون معاندون حتى لو اتضح لهم الحق بالأدلة الجلية، فلو فتحنا لهم بابًا من السماء فظلوا يصعدون.
لما صدقوا، ولقالوا: إنما سُدَّت أبصارنا عن الإبصار، بل ما نراه هو بتأثير السحر، فنحن مسحورون.
ولقد جعلنا في السماء نجومًا عظيمة يهتدي بها الناس في أسفارهم في ظلمات البر والبحر، وجَمَّلناها لمن نظر إليها وأبصرها، ليستدلوا بها على قدرة الله سبحانه.
وحفظنا السماء من كل شيطان مطرود عن رحمة الله.
إلا من استمع للملإ الأعلى خِلْسة فيلحقه جرم مضيء، فيحرقه.
والأرض بسطناها ليستقر الناس عليها، وجعلنا فيها جبالًا ثوابت حتى لا تميد بالناس، وأنبتنا فيها من أنواع النبات ما هو مقدّر محدد بما تقتضيه الحكمة.
وجعلنا لكم - أيها الناس - في الأرض ما يعيشكم من المآكل والمشارب ما دمتم في الحياة الدنيا، وجعلنا لغيركم ممن لا تَرزقونه من الناس والحيوان ما يعيشهم.
وما من شيء ينتفع به الناس والدواب إلا نحن قادرون على إيجاده ونفع الناس به، وما نوجد ما نوجده من ذلك إلا بمقدار محدد تقتضيه حكمتنا ومشيئتنا.
وأرسلنا الرياح تُلَقِّح السحاب، فأنزلنا من السحاب المُلَقَّح بها مطرًا، فسقيناكم من ماء المطر، ولستم - أيها الناس - بخازنين لهذا الماء في الأرض ليكون عيونًا وآبارًا، وإنما الله هو الذي يخزنه فيها.
وإنا لنحن نحيي الموتى بخلقهم من العدم وببعثهم بعد الموت، ونميت الأحياء إذا استوفوا آجالهم، ونحن الباقون الذين نرث الأرض ومن عليها.
ولقد علمنا من تقدم منكم ولادة وموتًا، وعلمنا من تأخر فيهما، لا يخفى علينا من ذلك شيء.
وإن ربك - أيها الرسول - هو يحشرهم جميعًا يوم القيامة، ليجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، إنه حكيم في تدبيره، عليم لا يخفى عليه شيء.
ولقد خلقنا آدم من طين يابس إن نُقِرَ صَوَّت، وهذا الطين الذي خُلِق منه أسود متغير الريح لطول مكثه.
وخلقنا أبا الجن من قبل خلق آدم عليه السلام من نار شديدة الحرارة.
واذكر - أيها الرسول - إذ قال ربك للملائكة ولإبليس - وكان معهم -: إني سأخلق بشرًا من طين يابس له صوت إذا نُقِرَ، أسود متغير الريح.
فإذا عدَّلتُ صورته، وكمَّلتُ خلقه فاسجدوا له امتثالًا لأمري وتحية له.
فامتثل الملائكة، فسجدوا كلهم له كما أمرهم ربهم.
لكن إبليس - الذي كان مع الملائكة، ولم يكن منهم - امتنع أن يسجد لآدم مع الملائكة.
قال الله لإبليس بعد امتناعه من السجود لآدم: ما حملك ومنعك من أن تسجد مع الملائكة الذين سجدوا امتثالًا لأمري؟
قال إبليس متكبرًا: ما يصح لي أن أسجد لبشر خلقته من طين يابس كان طينًا أسود متغيرًا.
قال الله لإبليس: اخرج من الجنة فإنك مطرود.
وإن عليك اللعنة والطرد من رحمتي إلى يوم القيامة.
قال إبليس: يا رب، أمهلني ولا تمتني إلى يوم يبعث الخلق.
قال الله له: فإنك من المُمْهَلين الذين أخَّرت آجالهم.
إلى الوقت الذي يموت فيه جميع الخلائق عند النفخة الأولى.
قال إبليس: يا رب، بسبب إضلالك لي لأُحَسِّنَنَّ لهم المعاصي في الأرض، ولأضلَّنهم كلهم عن الصراط المستقيم.
إلا من اصطفيتهم من عبادك لعبادتك.
قال الله: هذا طريق معتدل موصل إليّ.
إن عبادي المخلصين ليس لك قدرة ولا تَسَلُّطٌ على إغوائهم إلا من اتبعك من الضالين.
وإن جهنم لموعد إبليس ومن اتبعه من الضالين كلهم.
لجهنم سبعة أبواب يدخلون منها، لكل باب من أبوابها من أتباع إبليس قدر معلوم منهم يدخل منه.
إن الذين اتقوا ربهم بامتثال أمره واجتناب نهيه في جنات وعيون.
يقال لهم عند دخولها: ادخلوها بسلامة من الآفات، وأمن من المخاوف.
وأزلنا ما في صدورهم من حقد وعداوة، إخوة متحابِّين يجلسون على أسرَّة ينظر بعضهم إلى بعض.
لا يصيبهم فيها تعب، وليسوا بمُخْرَجين منها، بل هم خالدون فيها.
أعْلِم - أيها الرسول - عبادي أني أنا الغفور لمن تاب منهم، الرحيم به.
وأَعْلِمهم أن عذابي هو العذاب الموجع، فليتوبوا إلي لينالوا مغفرتي، ويأمنوا من عذابي.