الله الخالق العظيم لا يحتاج للولد

سورة الزمر

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ {١}

تنزيل القرآن من الله العزيز الذي لا يغالبه أحد، الحكيم في خلقه وتدبيره وشرعه، ليس مُنزلًا من غيره سبحانه.

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ {٢}

إنا أنزلنا إليك - أيها الرسول - القرآن مشتملًا على الحق، فأخباره كلها صادقة وأحكامه جميعها عادلة، فاعبد الله موحدًا له، مخلصًا له التوحيد من الشرك.

أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ {٣}

ألا لله الدين الخالي من الشرك، والذين اتخذوا من دون الله أولياء من الأوثان والطواغيت يعبدونهم من دون الله معتذرين عن عبادتهم لهم بقولهم: ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا إلى الله منزلة، ويرفعوا حوائجنا إليه، ويشفعوا لنا عنده، إن الله يحكم بين المؤمنين الموحدين وبين الكافرين المشركين يوم القيامة، فيما كانوا فيه يختلفون من التوحيد، إن الله لا يوفّق للهداية إلى الحق من هو كاذب على الله ينسب له الشريك، كفور بنعم الله عليه.

لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {٤}

لو أراد الله اتخاذ ولد لاختار من خلقه ما يشاء، فجعله بمنزلة الولد، تنزه وتقدس عما يقوله هؤلاء المشركون، هو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريك له فيها، القهار لجميع خلقه.

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {٥}

خلق السماوات والأرض لحكمة بالغة، لا عبثًا كما يقول الظالمون، يدخل الليل على النهار، ويدخل النهار على الليل، فإذا جاء أحدهما غاب الآخر، وذَلَّل الشمس، وذَلَّل القمر، كل منهما يجري لوقت مُقَدَّر هو انقضاء هذه الحياة، ألا هو سبحانه العزيز الذي ينتقم من أعدائه، ولا يغالبه أحد، الغفار لذنوب من تاب من عباده.

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ {٦}

خلقكم ربكم - أيها الناس - من نفس واحدة هي آدم، ثم خلق من آدم زوجه حواء، وخلق لكم من الإبل والبقر والضأن والمعز ثمانية أنواع، من كل صنف خلق ذكرًا وأنثى، ينشئكم سبحانه في بطون أمهاتكم طورًا بعد طور في ظلمات البطن والرحم والمَشِيمة، ذلكم الذي يخلق ذلك كله هو الله ربكم، له وحده الملك، لا معبود بحق غيره، فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة من لا يخلق شيئًا وهم يخلقون؟!

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {٧}

إن تكفروا - أيها الناس - بربكم فإن الله غني عن إيمانكم، ولا يضرّه كفركم، وإنما ضرر كفركم عائد إليكم، ولا يرضى لعباده أن يكفروا به، ولا يأمرهم بالكفر، لأن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر، وإن تشكروا الله على نعمه وتؤمنوا به يَرْضَ شكركم، ويثبكم عليه، ولا تحمل نفس ذنب نفس أخرى، بل كل نفس بما كسبت رهينة، ثم إلى ربكم وحده مرجعكم يوم القيامة، فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، ويجازيكم على أعمالكم، إنه سبحانه عليم بما في قلوب عباده، لا يخفى عليه شيء مما فيها.