عظمة الله ودلائل توحيده

سورة المؤمنون

وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {٧٩}

وهو الذي خلقكم - أيها الناس - في الأرض، وإليه وحده يوم القيامة تحشرون للحساب والجزاء.

وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {٨٠}

وهو وحده سبحانه الذي يحيي فلا محيي غيره، وهو وحده الذي يميت فلا مميت سواه، وإليه وحده تقدير اختلاف الليل والنهار ظلمة وإنارة وطولًا وقصرًا، أفلا تعقلون قدرته، وتفرّده بالخلق والتدبير؟!

بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ {٨١}

بل قالوا مثل ما قال آباؤهم وأسلافهم في الكفر.

قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ {٨٢}

قالوا على وجه الاستبعاد والإنكار: أإذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لمبعوثون أحياءً للحساب؟!

لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ {٨٣}

لقد وعدنا هذا الوعد - وهو البعث بعد الموت - ووُعِد أسلافنا من قبلُ بذلك، ولم نر ذلك الوعد تحقق، ما هذا إلا أباطيل الأقدمين وأكاذيبهم.

قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {٨٤}

قل - أيها الرسول - لهؤلاء الكفار المنكرين للبعث: لمن هذه الأرض، ومن عليها إن كان لكم علم؟

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {٨٥}

سيقولون: الأرض ومن عليها لله، فقل لهم: ألا تتذكرون أن من له الأرض ومن عليها قادر على إحيائكم بعد موتكم؟

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {٨٦}

قل لهم: من رب السماوات السبع؟ ومن رب العرش العظيم الذي لا يوجد مخلوق أعظم منه؟

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {٨٧}

سيقولون: السماوات السبع والعرش العظيم ملك لله، فقل لهم: أفلا تتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لتسلموا من عذابه؟

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {٨٨}

قل لهم: من الذي بيده ملك كل شيء، لا يشذ عن ملكه شيء، وهو يغيث من شاء من عباده، ولا أحد يمتنع ممن أراده هو بسوء، فيدفع عنه العذاب، إن كان لكم علم؟

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {٨٩}

سيقولون: ملك كل شيء بيده سبحانه، فقل لهم: فكيف تذهب عقولكم، وتعبدون غيره مع إقراركم بذلك؟!

بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {٩٠}

ليس الأمر كما يدّعون، بل جئناهم بالحق الذي لا مرية فيه، وإنهم لكاذبون فيما يدّعونه لله من الشريك والولد، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {٩١}

ما اتخذ الله من ولد كما يزعم الكفار، وما كان معه من معبود بحق، ولو فرض أنه معه معبود بحق لذهب كل معبود بنصيبه من الخلق الذي خلقه، ولَغالَبَ بعضهم بعضًا، فيفسد نظام الكون، والواقع أن شيئًا من ذلك لم يحدث، فدل على أن المعبود بحق واحد وهو الله وحده، تنزه وتقدس عما يصفه به المشركون مما لا يليق به من الولد والشريك.

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {٩٢}

عالم كل ما غاب عن خلقه، وعالم كل ما يشاهد ويدرك بالحواس، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فتعالى سبحانه أن يكون له شريك.

قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ {٩٣}

قل - يا أيها الرسول -: رب إما تريني في هؤلاء المشركين ما وعدتهم من العذاب.

رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {٩٤}

رب إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذلك فلا تجعلني فيهم فيصيبني ما أصابهم من العذاب.

وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ {٩٥}

وإنا على أن نجعلك تشاهد وترى ما نعدهم به من العذاب لقادرون، لا نعجز عن ذلك ولا عن غيره.

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {٩٦}

ادفع - أيها الرسول - من يسيء إليك بالخصلة التي هي أحسن، بأن تصفح عنه، وتصبر على أذاه، نحن أعلم بما يصفون من الشرك والتكذيب، وبما يصفونك به مما لا يليق بك كالسحر والجنون.

وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ {٩٧}

وقل: رب أعتصم بك من نَزَغات الشياطين ووساوسهم.

وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ {٩٨}

وأعوذ بك رب أن يحضروني في شيء من أموري.

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {٩٩}

حتى إذا جاء أحدَ هؤلاء المشركين الموتُ، وعاين ما ينزل به قال ندمًا على ما فات من عمره، وما فرّط في جنب الله: رب ارجعني إلى الحياة الدنيا.

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {١٠٠}

لعلّي أعمل عملًا صالحًا إذا رجعت إليها، كلا، ليس الأمر كما طلبت، إنها مجرد كلمة هو قائلها، فلو رُدَّ إلى الحياة الدنيا لما وفى بما وعد به، وسيبقى هؤلاء المتوفّون في حاجز بين الدنيا والآخرة إلى يوم البعث والنشور، فلا يرجعون منه إلى الدنيا ليستدركوا ما فاتهم، ويصلحوا ما أفسدوه.

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ {١٠١}

فإذا نفخ الملك الموكل بالنفخ في القرن النفخة الثانية المؤذنة بالقيامة، فلا أنساب بينهم يتفاخرون بها لانشغالهم بأهوال الآخرة، ولا يسأل بعضهم بعضًا لانشغالهم بما يهمهم.

فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {١٠٢}

فمن ثقلت موازينه برجحان حسناته على سيئاته فأولئك هم المفلحون بما ينالونه من مطلوبهم، وما يجنّبون من مرهوبهم.

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {١٠٣}

ومن خفّت موازينه لرجحان سيئاته على حسناته فأولئك هم الذين ضيعوا أنفسهم بفعل ما يضرّها، وترك ما ينفعها من الإيمان والعمل الصالح، فهم في نار جهنم ماكثون، لا يخرجون منها.

تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ {١٠٤}

تحرق وجوههم النار، وهم فيها قد تقلّصت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم من شدة العبوس.

أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ {١٠٥}

ويقال لهم تقريعًا لهم: ألم تكن آيات القرآن تقرأ عليكم في الدنيا، فكنتم بها تكذبون؟!

قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ {١٠٦}

قالوا: ربنا غلب علينا ما سبق في علمك من شقاوتنا، وكنا قومًا ضالين عن الحق.

رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {١٠٧}

ربنا أخرجنا من النار، فإن رجعنا إلى ما كنا عليه من الكفر والضلال فإنا ظالمون لأنفسنا، قد انقطع عذرنا.

قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ {١٠٨}

قال الله: اسكنوا أذلاء مهانين في النار، ولا تكلموني.

إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {١٠٩}

إنه كان فريق من عبادي الذين آمنوا بي يقولون: ربنا آمنا بك فاغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا برحمتك، وأنت خير الراحمين.

فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ {١١٠}

فاتخذتم هؤلاء المؤمنين الداعين ربهم محلًّا للاستهزاء تسخرون منهم، وتستهزئون بهم حتى أنساكم الانشغالُ بالسخرية منهم ذكرَ الله، وكنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء.

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ {١١١}

إني جزيت هؤلاء المؤمنين الفوز بالجنة يوم القيامة، لصبرهم على طاعة الله وعلى ما كانوا يتلقونه منكم من الأذى.

قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ {١١٢}

ولما سألوا الرجوع إلى الدنيا ليصلحوا ما أفسدوا، ذكَّرهم بما عمّروا فيها مما يمكنهم من التوبة لو أرادوا ذلك. قال: كم مكثتم في الأرض من السنين؟ وكم أضعتم فيها من وقت؟

قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ {١١٣}

فيجيبون بقولهم: مكثنا يومًا أو جزءًا من يوم، فاسأل الذين يُعْنَوْن بحساب الأيام والشهور.

قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {١١٤}

قال: ما مكثتم في الدنيا إلا زمنًا قليلًا يسهل الصبر فيه على الطاعة لو أنكم كنتم تعلمون مقدار مكثكم.

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {١١٥}

أفحسبتم - أيها الناس - أنما خلقناكم لعبًا دون حكمة، فلا ثواب ولا عقاب مثل البهائم، وأنكم لا ترجعون إلينا يوم القيامة للحساب والجزاء؟!

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {١١٦}

فتنزّه الله الملك المتصرّف في خلقه بما يشاء، الذي هو حق، ووعده حق، وقوله حق، لا معبود بحق غيره، رب العرش الكريم الذي هو أعظم المخلوقات، ومن كان ربًّا لأعظم المخلوقات فهو ربها كلها.

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {١١٧}

ومن يدع مع الله معبودًا آخر لا حجة له على استحقاقه العبادة (وهذا شأن كل معبود غير الله) فإنما جزاء عمله السيئ عند ربه سبحانه، فهو الذي يجازيه بالعذاب عليه، إنه لا يفوز الكافرون بنيل ما يطلبون، ولا بالنجاة مما يرهبون.

وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {١١٨}

وقل - أيها الرسول -: رب اغفر لي ذنوبي، وارحمني برحمتك وأنت خير من رحم ذا ذنبٍ، فقبل توبته.