دلائل عقلية على وجود الله
سورة النمل
قل - أيها الرسول -: الحمد لله على نعمه، وأمان منه من عذابه الذي عذب به قوم لوط وصالح لأصحاب النبي ﷺ، آلله المعبودُ بحقٍّ الذي بيده ملكوت كل شيء خير أم ما يعبده المشركون من معبودات لا تملك نفعًا ولا ضرًّا؟!
أم من خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، وأنزل لكم - أيها الناس - من السماء ماء المطر، فأنبتنا لكم به حدائق ذات حسن وجمال، ما كان لكم أن تنبتوا شجر تلك الحدائق لعجزكم عن ذلك، فالله هو الذي أنبتها، أمعبود فعل هذا مع الله؟! لا، بل هم قوم ينحرفون عن الحق فَيُسَوُّون الخالق بالمخلوقين ظلمًا.
أمْ مَن صيّر الأرض مستقرّة ثابتة لا تضطرب بمن عليها، وصيّر داخلها أنهارًا تجري، وصير لها جبالًا ثوابت، وصيّر بين البحرين: المالِح والعذب فاصلًا يمنع اختلاط المالح بالعذب حتى لا يفسده، فلا يصلح للشرب، أمعبود فعل ذلك مع الله؟! لا، بل معظمهم لا يعلمون، ولو كانوا يعلمون لما أشركوا بالله أحدًا من مخلوقاته.
أمْ مَن يجيب من ضاق عليه أمره واشتدّ إذا دعاه، ويرفع ما يقع بالإنسان من مرض وفقر وغيرهما، ويصيّركم خلفاء في الأرض يخلف بعضكم بعضًا جيلًا بعد جيل، أمعبود يفعل ذلك مع الله؟! لا، قليلًا ما تتعظون وتعتبرون.
أمْ مَن يهديكم في ظلمات البر وظلمات البحر بما ينصبه لكم من معالم ونجوم، ومن يبعث الرياح مبشرات بقرب نزول المطر الذي يرحم به عباده، أمعبود يفعل ذلك مع الله؟! تنزه الله، وتقدس عما يشركون به من مخلوقاته.
أم من يبدأ الخلق في الأرحام مرحلة بعد مرحلة، ثم يحييه بعدما يميته، ومن يرزقكم من السماء بالمطر المنزل من جهته، ويرزقكم من الأرض بالنبات الذي ينبته فيها! أمعبود يفعل ذلك مع الله؟! قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هاتوا حججكم على ما أنتم عليه من الشرك، إن كنتم صادقين فيما تدعونه من أنكم على حق.
قل - أيها الرسول -: لا يعلم الغيب من في السماوات من الملائكة، ولا من في الأرض من الناس، لكن الله وحده هو الذي يعلمه، وما يعلم جميع من في السماوات ومن في الأرض متى يُبْعثون للجزاء إلا الله.
أم هل تتابع علمهم بالآخرة فأيقنوا بها؟ لا، بل هم في شك وحيرة من الآخرة، بل قد عميت بصائرهم عنها.
وقال الذين كفروا مستنكرين: أإذا متنا وكنا ترابًا أيمكن أن نُبْعَثَ أحياء؟
لقد وُعِدْنا نحن، ووُعِدَ آباؤنا من قبل أننا نبعث جميعًا، فلم نر تحقيقًا لذلك الوعد، ما هذا الوعد الذي وُعِدناه جميعًا إلا أكاذيب الأولين التي دونوها في كتبهم.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المنكرين للبعث: سيروا في أي جهة من الأرض فتأملوا كيف كانت نهاية المجرمين المكذبين بالبعث، فقد أهلكناهم لتكذيبهم به.
ولا تحزن بسبب إعراض المشركين عن دعوتك، ولا يضق صدرك من كيدهم فالله ناصرك عليهم.
ويقول الكفار المنكرون للبعث من قومك: متى يتحقق ما تعدنا به أنت والمؤمنون من العذاب إن كنتم صادقين فيما تدّعونه من ذلك؟
قل لهم - أيها الرسول -: عسى أن يكون اقترب لكم بعض ما تستعجلون به من العذاب.
وإن ربك - أيها الرسول - لذو فضل على الناس حيث يترك معاجلتهم بالعقوبة مع ما هم عليه من الكفر والمعاصي، ولكن معظم الناس لا يشكرون الله على ما ينعم به عليهم.
وإن ربك ليعلم ما تضمر قلوب عباده وما يظهرونه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيهم عليه.
وما من شيء غائب عن الناس في السماء، ولا غائب عنهم في الأرض إلا هو في كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ.
إن هذا القرآن المنزل على محمد ﷺ يقصّ على بني إسرائيل أكثر ما يختلفون فيه، ويكشف انحرافاتهم.
وإنه لهداية ورحمة للمؤمنين العاملين بما جاء فيه.
إن ربك - أيها الرسول - يقضي بين الناس مؤمنهم وكافرهم يوم القيامة بحكمه العدل، فيرحم المؤمن، ويعذب الكافر، وهو العزيز الذي ينتقم من أعدائه. ولا يغالبه أحد، العليم الذي لا يلتبس عليه مُحِقٌّ بِمُبْطِلٍ.
فتوكل على الله، واعتمد عليه في جميع أمورك، إنك على الحق الواضح.
إنك - أيها الرسول - لا تُسْمِع الموتى الذين ماتت قلوبهم بسبب الكفر بالله، ولا تُسْمِع فاقدي السمع ما تدعوهم إليه إذا رجعوا معرضين عنك.
ولست بهادي من عميت بصائرهم عن الحق، فلا تحزن عليهم وتتعب نفسك، لا تُسْمِع دعوتك إلا من يؤمن بآياتنا فهم منقادون لأوامر الله.